الوالدين في زمن الكورونا
الصعوبات التي تواجه الأهل في زمن الكورونا – كيف نكون قارب نجاة لأطفالنا في محيط من عدم اليقين؟
د. يارون سيلع – أخصائي نفسي إكلينيكي
تفشي فيروس الكورونا - وخاصة الصدى الإعلامي الكبير الذي يحظى به – يعمق أزمة الكورونا في وعينا جميعًا. وتنقسم هذه الأزمة إلى ثلاث مكونات - صحية ونفسية واقتصادية.
- . المكون الأول هو الجانب الصحي - الخوف من أن نصاب نحن أو أحد أحبائنا بكورونا. على الرغم من أن معظم الأشخاص المصابين حتى الآن لم تظهر عليهم أعراض حادة، كتلك التي يخشاها الناس. (وتماماً كما من حادث الطائرة أكثر من حادث السيارة). فإن الغالبية العظمى منا ستنجو من الفيروس. لذلك لا يشكل الجانب الصحي سوى جزء من القصة.
- المكون الثاني والأهم هو الاستجابة الغريزية من "لا وعينا" للتهديدات. عندما يشتم دماغنا العميق أدنى قدر من التهديد، فإنه يأمرنا باتباع أحد ثلاثة أنماط محتملة – المواجهة (fight) أو الهروب (flight) أو السكون في مكاننا (freeze). هكذا نتصرف في الشارع عندما تكون سيارة على وشك الاصطدام بنا، أو عندما نتعرض لهجوم بالصواريخ. لكن فيروس كورونا يجلب معه شيئًا آخر – وهو شعور قوي بعدم اليقين. نظرًا لأن الفيروس غير معروف للطب حتى الآن ولا يوجد له علاج أو تطعيم، فإن شعور عدم اليقين يزيد من شعورنا بالتهديد. في مثل هذه الحالة، لا يملك معظمنا القدرة على المواجهة، ومن الصعب علينا الهروب أيضاً (ربما عن طريق التزام الحجر أو النظافة الفائقة فقط). لذلك، يلجأ معظمنا إلى "السكون في مكاننا"، مما يقلل بشكل كبير شعورنا بأننا نتحكم بشكل ما فيما يحصل. الشعور بالعجز هو أحد النتائج المباشرة لكورونا. وتحول الخوف النفسي الشخصي وبسرعة كبيرة إلى حالة من الذعر الجماعي تشترك فيها معظم الدول في جميع أنحاء العالم. تسبب الذعر الجماعي من العدوى بتأثير سريع وقوي دفع الجميع إلى العزلة والإنغلاق - والدول (التي يمكنها) أغلقت حدودها، وتم حظر التجمعات وإرسال الناس إلى الحجر في منازلهم. عززت العزلة مزيدًا من الشعور بالعجز فقد أبعدتنا عن مصادر الدعم والمنعة لدينا – أي الأسرة والأصدقاء وروتين العمل والترفيه ونوعية الحياة. وشيء آخر. إن إحدى الآليات النفسية التي تساعدنا في التعامل مع التهديدات هي الشعور بأننا "نحن ضد العالم كله"، أي أنّنا متحدون ضد تهديد خارجي. المشكلة في كورونا أنها وضعت البشرية كلها بشكل ما في قارب واحد، لذلك فمن الصعب جدًا التفكير في "عدو معين" يمكننا التركيز عليه (نميل في العادة إلى البحث عن عدو كهذا، ولذلك نمارس الآن التمييز ضد من يحملون المرض"، و"أصحاب العيون المستدقة"، أو أي مجموعة أخرى). إذن ما الذي حصلنا عليه؟ الخوف من تهديد نراه كبيراً جدًا، وقدرة بسيطة جدًا على مواجهته، ومصادر قليلة للدعم.
- وإذا لم يكن كل هذا كافياً، فهناك أيضاً جانب ثالث للأزمة - وهو الجانب الاقتصادي. إذ تسببت كورونا في انهيار جميع الأنشطة الاقتصادية المادية - السياحة والتجارة والترفيه - ومعظم الاقتصاد كما نعرفه. الكثير من الناس فقدوا مصدر عيشهم ولديهم خشية حقيقية وشديدة من قدرة أسرهم على الصمود اقتصادياً.
إذا ماذا نفعل؟
معظمنا سيكون هذه الأيام في المنزل. ولفترات طويلة. بالنسبة للأهل، سيبقون مع الأطفال الذين تعطلت حياتهم بشكل كبير.
فيما يلي سبع نصائح حول كيفية التعامل مع هذه الفترة، وربما استطعنا أن نخرج من هذه الأزمة أقوى بعد أن تمر عاصفة الكورونا:
- الأهل هُم أهم ملاذ للأطفال. الرسالة التي نحتاج لتوصيلها إلى الأطفال (حتى لو كان ذلك صعباً) هي أن فيروس كورونا وآثاره الاجتماعية والاقتصادية مؤقتة. ونحن هنا باقون. كلما كان الأهل أكثر صلابة، سيشعر أطفالنا بالأمان أكثر. كيف نفعل هذا؟ أولاً، علينا أن نفهم أننا جميعًا نخاف من المجهول. جميع جوانب التهديد - الصحية والنفسية والاقتصادية - حقيقية. لذلك فنحن بحاجة إلى إيجاد طرق لتهدئة أنفسنا - تمارين التنفس والاسترخاء، والتخيّلات الموجهة، ومشاركة الزوج/ة بمخاوفنا، وغيرها. إذا شعرت بالتوتر أو الإرهاق، فحاول تهدئة نفسك قبل أن تحاول تهدئة أطفالك. واحدة من أفضل الهدايا التي يمكن أن نقدمها كأهل لأطفالنا هي الشعور بأننا أقوى من أي أزمة نمر بها. الرسالة العامة هي "إنه أمر مخيف، لكننا سنواجهه معًا، وسنتغلب عليه في النهاية".
- شجعوا أطفالكم على التعبير عن أنفسهم ومشاركة مشاعرهم. هل أنتم خائفون من كورونا ومن تبعاتها؟ أطفالكم أكثر خوفًا. اسألوهم بانتظام: "ماذا سمعتم عن الكورونا؟ ما هو شعوركم؟ ما رأيكم؟ ما الذي يذكركم هذا به؟" بالنسبة للأطفال الأصغر سنًا، من المستحسن تشجيعهم على الرسم والقيام بعمل إبداعي يعبر عن مشاعرهم تجاه كورونا، أو شعورهم بعدم اليقين أو القلق الاقتصادي في الأسرة. من المحتمل أنهم سيظهرون مشاعر مثل الخوف والإنكار وصعوبات في النوم، وفقدان للشهية (أو زيادتها)، وأفكار سلبية وغيرها. من المهم جداً أن لا تنشأ أسرار بين الأهل والأطفال. لذلك حاولوا عدم تجاهل الأطفال عند التحدث عن الموضوع، بل شجعوهم على طرح الأسئلة والتحدث عن كل شيء.
- أعيدوا للأطفال القدرة على السيطرة. أحدى أكثر الطرق فعالية للتعامل مع الشعور بالعجز هي توزيع المهام والمسؤوليات على جميع أفراد الأسرة. الطفل الذي توكلون إليه مهمة سيشعر بأنه مؤثر وذو أهمية وسيشعر بثقة أعلى بالنفس. يمكن أن تكون مهامه في المنزل:
- ترتيب وتنظيف غرفة الطفل أو غرفة المعيشة
- التعلم عن بعد، اتمام الواجبات منزلية والمهام الدراسية
- مساعدة الأخوة الكبار لأخوتهم الصغار
- المساعدة في تحضير الطعام وتجهيز المائدة
- ري النباتات، واصطحاب الكلب في نزهة وغيرها الكثير.
- وضع روتين يومي. حتى في حال تعطيل المدرسة، من المهم جدًا وضع روتين واضح. الروتين له تأثير كبير في منح الأطفال الثقة والشعور بأنه حتى حال سادت الفوضى، فلن تُكسر قواعد المنزل التي رسمها الروتين العادي. الروتين هو ما يحافظ على الاستمرارية النفسية، ويعزز بالتالي الشعور باليقين. "ما حدث اليوم سيحدث غدا أيضاً." لذلك، ضعوا جدولاً يومياً (وأسبوعياً) مع أطفالكم. سجلوا الأنشطة الروتينية على لوحة كبيرة في غرفة الطفل. على سبيل المثال: نستيقظ صباحاً في ساعة محددة، نستعد للتعلم عن بعد، نذهب للقاء الأصدقاء، نلعب على جهاز الكمبيوتر أو البلايستيشن، نتناول العشاء معًا، نستحم، نذهب إلى الفراش في وقت محدد (اكتب الوقت المحدد لكل نشاط). على الرغم من أن هذه الأيام قد تتحول إلى نوع من العطلة الصيفية، حاولوا التصرف كالمعتاد واستغلال هذه الفترة لتعويض التأخر في الدراسة، وممارسة الهوايات او القيام بأنشطة مهمة بالنسبة لأطفالكم. تأكدوا من دمج أنشطة ترفيهية مشتركة لجميع أفراد الأسرة في الروتين اليومي - مثل اللعب أو مشاهدة الأفلام معًا. يمكن لفترة الإغلاق بسبب الكورونا تحديداً أن تعزز الترابط الأسري وتقوي العلاقات بين أفراد الأسرة.
- احتواء التراجع السلوكي. في حالات الصدمة أو الأزمات أو عدم اليقين، من الطبيعي أن تظهر لدى الأطفال تصرفات تعبر عن تراجع سلوكي. على سبيل المثال، النزوع إلى البكاء، ورغبة أكبر بالتقرب من الأهل، والشكوى، وغيرها. اسمحوا للصغار بذلك واعطوهم فرصة "لإعادة الشحن". تذكروا أن مثل هذا السلوك يعني أيضًا أن الأطفال يرون فيكم ملاذاً يمكنهم اللجوء إليه. مع مرور الأزمة، يمكنكم إعادتهم تدريجياً إلى استقلاليتهم.
- عدم تغذية أو تضخيم التهديد النفسي. تذكروا أن الخوف من الكورونا يشبه الخوف من الوحوش - كلما عززتم هذا الخوف، كلما صار أكبر. يتغذى خوف الأطفال من شدة التهديد الذي يأتي من وسائل الإعلام (التلفزيون، والإذاعة ومواقع الأخبار، والرسائل الدعائية في الهواتف الذكية، وغيرها). حاولوا تقليل تعرض الأطفال للتغطية الإعلامية الواسعة جدًا حول الكورونا. وهذا ليس كل شيء. في عصر الأخبار المزيفة الذي نعيشه، تأكدوا من أنكم تحصلون على المعلومات من مصادر موثوقة فقط (وزارة الصحة، المواقع الإخبارية الموثوقة) وعلى التوجيهات من جهات رسمية فقط. هناك الكثير من الأخبار الكاذبة على الشبكات الاجتماعية، والتي تثير في العادة الخوف والقلق. لا تستسلم للإغراءات وأبعد نفسك وأطفالك عن هذه الأخبار. وكما يقول المثل البوذي الشهير عن السهمين - ففيروس كورونا هو السهم الأول الذي فُرض علينا. والسهم الثاني هو الخوف والذعر والشعور المستمر بالعجز الذي نصنعه بأيدينا. دعونا نحاول تجنب السهم الآخر قدر الإمكان.
- الحفاظ على العلاقات الاجتماعية. تقطّع العزلة التي فرضتها علينا أزمة الكورونا روابطنا الاجتماعية، وبالتالي تستنزف مصادر قوتنا. الترياق للعزلة هو تعزيز الروابط الاجتماعية. في عصر الشبكات الاجتماعية، صار الأمر سهلًا. قم بإجراء مكالمات فيديو مع أفراد العائلة، ورفع الصور على انستغرام معًا، والتقاط مقاطع فيديو مع أطفالك وتحميلها على "فيسبوك" و"تيك توك". وكلما كان ذلك ممكنًا ووفقًا لإرشادات وزارة الصحة، شجع أطفالك على مقابلة الأصدقاء (في منزلهم أو في منزلك أو في مكان قريب). قبل كل شيء، تذكر أنه في أحد الأيام ستصبح الكورونا ذكرى بعيدة وربما سنتعامل معها مثل الأنفلونزا. إن مواجهتنا للأزمة الحالية بالتحديد هي التي ستعزز لدينا (الأهل والأطفال) القوة النفسية. لذلك، فإن جميع الإجراءات التي ذكرتها هنا لا تهدف فقط إلى "تمرير" هذه الأيام، بل حتى الخروج منها أقوى، وبناء نوع من المناعة النفسية ضد الأزمات والتحديات المستقبلية. وكما تغلبنا على فرعون، سنتغلب على هذه الأزمة أيضاً
تمنياتنا لكم بالصحة.